الآخرة أحرى ممن لم يؤتها ، ويكأن الله يجازي ذوي الأنفة والكبرياء والثراء بما طغوا وبغوا ، يجازيهم في الأخرى ثوابا بدل العقاب ، فما أظلمه إذا من إله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)!.
يظنها الأثرياء بجنة الغرور والكبرياء ، والفقراء لظنهم أن الثراء ثواب من الله وعطاء ، إذا فلتكن الطغوى بديل التقوى يستحق بها ثواب الآخرة بعد الاولى!.
(لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) وكيف وبماذا؟ ألا إنكم تملكون الأخرى كما ملكتم الاولى (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٢٨ : ٦٠)
أم لأن الله يخافكم فيفضلكم فيها كما فضّلكم ـ بحسبانكم ـ في الدنيا ـ وهو يخاف منه ولا يخاف!
ام لأنه يخلف وعده جهلا ام ظلما او عجزا أم ماذا؟ وما ذلك إلّا جهالة وجنة ممن أترفته الحياة الدنيا ، تنفّخا منها وتنفّجا فيها!.
هذه مقالة وحالة صاحب الجنة هنا ، وأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر ولا جنة عنده ولا ثمر ، ولكنه غني بالله ، فقير المال غني الحال ، إنه يواجه صاحبه الفقير الحال ، غني المال ، كواعظ منبّه ، تنديدا به في حواره ، وتهديدا له في بداره :
(قالَ لَهُ صاحِبُهُ)(١)(وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ
__________________
(١). قوله تعالى «قالَ لَهُ صاحِبُهُ ـ ومن قبل ـ فقال لصاحبه ، حيث يعبر عن كل من الموحد والمشرك انه صاحب للآخر يدلنا على ان لفظة الصحبة والصحابة ليست لتدل على الصحبة الايمانية او الشركية ، والا لأصبح هنا المؤمن مشركا والمشرك مؤمنا ، فاستدلال إخواننا بآية الغار «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ» ان أبا بكر لكونه صاحب الرسول في الغار وليس غيره في نص القرآن فهو الصحابي المؤمن الوحيد لرسول الله ـ