غير أَنَّ الذي سَوَّغَ الخِلافَ بينَهما عِنْدِي هوَ تكرير اللفظ بعينه ، لأِ نّهُ لو قالَ : (فيهِ فيهِ) أو (فيهُ فيهُ) لتكرر اللفظُ عينهُ البتة.
وقد عرفنا ما عليهم في استثقالهم تكرير اللفظ حتَّى أَنَّهم لا يتعاطونه إلاَّ فيما يتناهى عنايتهم بهِ ، فيجعلون ما ظهر مِنْ تَجَشُّمِهم إيَّاهُ دلالةً على قوةِ مراعاتِهم لَهُ ، نحو قولِهم : ضربتُ زيداً ضربتُ ، وضربتُ زيداً زيداً ، وقولهم قُمْ قائماً وقولهم فيما لا محالة في توكيدِهِ ، أَعني الأذان : الله أَكبر الله أكبر الله أكبر.
فإنْ قِيلَ : فَلِمَ كُسِرَ الأولُ وَضُم الآخر وهلا عُكس الأمرُ؟ ففيه قولان :
أحدهما : أنَّ الكسَر في نحو هذا أَفشى في اللغة فقُدِّمَ ، والضم أَقل استعمالاً فأُخِّرَ.
والثاني : ـ وهو أَغمض ـ وهو أَنَّ (فيه) الأولى ليست في موضع رفع ، بل هي منصوبة الموضع بقوله تعالى : (تَقُومَ) ، من قوله : (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيْهِ).
و (فِيهِ) من قوله : (فِيهِ رِجَالٌ) في موضع الرفع ، لأِنه خبر مُبتَدَإ مقدَّم عليه ، والمبتدأ (رجال) ، (فيه) خبر عنه ، فهو مرفوع الموضع.
فلمَّا كانَ كذلك سبقتِ الضَّمَّة لتصور معنى الظرف.
ومعاذ الله أنْ نَقُول : إنَّ ضَمَّةَ الهاءِ من (فيه) عَلَمُ رفع ، كيفَ ذلك والهاءُ مجرورة الموضع بـ (في)؟ نعم وهي اسمٌ مضمرٌ ، والمضمرُ لا إعرابَ في شيء منه ، وهي أيضاً مكسورةٌ في أكثر اللغة. هل يجوز أنْ يظنَ أَحدٌ أنَّ الضَّمَّةَ فيها عَلَمُ رفع؟ لكنَّ الكلمةَ مرفوعةُ الموضع ، وتصور معنى الرفع فيها أسبق إلى اللفظ كما ذهب بعضُهُم في ضَمَّةِ تاءِ المُتَكَلِّمِ في نحو قمتُ وذهبتُ إلى أَنها إنّما بنيتْ على الضَّمِّ لمحاً لموضِعِها من الإعراب ، إذ هي