قَالَ أَبو الفتح : قوله : (كَيْفَ تُحيي) جُمْلَةٌ مَنْصُوبةُ المُوضِعِ عَلى الحالِ ، حَملاً على المَعْنَى لاَ عَلَى اللفظ ، وَذَلِك أنَّ اللفْظَ استفَهامٌ والحالُ ضَرْبٌ مِنَ الخَبَرِ ، والاستفهام والخبر معنيانِ متدافعانِ ، وتلخيص كونَهمَا حالاً أَنَّهُ كَأَ نّهُ قَالَ : فانظر إلى أَثَرِ رحمة اللهِ محييةً الأرضَ بعدَ مَوْتَهَا ، كَمَا قَالَ :
مَا زِلْتُ أَسْعَى مَعَهُمْ وَأَخْتَبِطْ |
|
حَتَّى إذَا جَاءَ الظَّلامُ المُخْتلَط |
جاؤوا بضيح هَل رأيْتَ الذِّئبَ قَطْ؟ (١)
فَقَوْلُهُ : هَلْ رَأَيْتَ الذئبَ قَط؟ جُمْلَةٌ استفهاميِّةُ ، إلاَّ أنَّها فِي مَوْضِعِ وصف (الضيح) حَمْلاً عَلى مَعْنَاهَا دُونَ لَفْظِهَا ، لأَنَّ الصِّفَةَ ضربٌ مِنَ الخبر فَكَأَ نَّهُ قَالَ : جاءُوا بضيح يُشبه لونُهُ لونَ الذئبِ. والضيح : هو اللَّبنَ الَمخْلُوط بالماءِ ، فَهْوَ يَضْرِبُ إلى الخُضرَةِ والطُلْسَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الآخر :
إلَى اللهِ أَشكُو بالمدينةِ حَاجَةً |
|
وبالشَّامِ أُخرَى كَيْفَ تَلْتَقِيانَ (٢) |
فَقَوْلُهُ : كَيْفَ تَلْتَقِيانِ جملةٌ فِي موضعِ نَصب بَدَلاً مِنْ (حاجةً) وَحَاجَةً فَكَأ نَّهُ قَالَ إلى اللهِ أشْكُو هَاتَينِ الحالتين تعذر التقائِهِمَا هَذا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ تقتطع قوله : كيف تلتقيان مستأنفاً لأنَّ هذا ضربٌ من هُجنةِ الأعرابِ لأَ نّهُ إنَّمَا يَشكُو تَعذُّرَ التقائِهمَا وَلاَ يُريدُ استقبالَ الاستفهامِ عَنْهُمَا (٣).
__________________
(١) من رجز للعجاج. ويروى (بينهم) مكان (معهم) و (التبط) مكان (اختبط) و (كاد) مكان (جاء) و (يختلط) مكان (المختلط) ، و (مذق) مكان (ضيح). ملحقات الديوان : ٨١ والمحتسب : ٢ / ١٦٥ وشرح المفصل : ٣ / ٥٣ والخزانة : ٢ / ١٠٩ وشرح التصريح : ٢ / ١١٢ والدرر اللوامع : ٢ / ١٤٨.
(٢) البيت ينسب للفرزدق وليسَ فِي ديوانه. انظر : المحتسب : ٢ / ١٦٥ والدرر اللوامع : ٢ / ١٦٦.
(٣) المحتسب : ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦.