المشهورين وليس مورداً لاختلافهم ، وأمّا ما اختلفوا فيه فهو أقلّ ممّا اتّفقوا عليه ، وهو لا يرجع إلى اختلاف في الكتاب العزيز من جهة النزول ، بل يرجع إلى مسائل لغويّة ونحويّة وصرفيّة ، واجتهادات خاصّة بالقرّاء ، كما يرجع بعضه إلى موروث قراءاتي فيه الغثّ والسمين ، ومن هنا لم تسلم القراءات المشهورة من الشواذ التي أُبعدت ـ بحمد الله ـ عن المصاحف المطبوعة. ومهما يكن فإنّ اختلاف القراءات لا يمسّ قداسة القرآن الكريم ولا تواتره; لأنّ الاختلاف في قراءة الكلمة القرآنيّة لا ينافي الاتّفاق على أصلها ما دام باقياً بهيئته ومادّته. نعم لو طالت القراءة إلى هيئة الكلمة ومادّتها وغيّرت من صورتها ، فلا عبرة حينئذ بها; لأنّها ستكون من التحريف لا من القراءة التي تمثّل في جميع حالاتها خصوصيّة القارئ في كيفيّة النطق بالكلمة القرآنيّة ، وطريقته في ضبطها ، وأدائها صوتيّاً ، وما يرافق ذلك من حركة أو سكون أو تخفيف أو تشديد أو مدّ أو إدغام أو إمالة ونحو ذلك. وهذه الأُمور المكتوبة والمُعَلَّمَة في مصاحفنا اليوم لم تكن ـ كما نبّهنا عليه ـ موجودة آنذاك ، بل كانت مصاحفهم خالية منها وبلا إعجام ، ولهذا اختلفوا فيها. ومع هذا فإنّ القراءات المشهورة في زمان أهل البيت (عليهم السلام) مجزية بحمد الله ، لا من جهة تواترها ، بل من جهة رخصة أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث أجازوا القراءة بها وكرهوا تجريد قراءة بعينها ، ففي الكافي الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سمع رجلاً يقرأ القرآن على غير ما يقرأه الناس ، فقال له (عليه السلام) : «كُفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم» وفيه أيضاً عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال في جواب من سأله عن القراءات القرآنيّة في زمانه : «اقرأوا كما علمتم ، فسيجيء من يُعَلِّمُكم». والقراءات السبع المعروفة عاش أصحابها كلّهم في القرن الثاني الهجري ، لأنّ أوّلها لابن عامر (ت / ١١٨ هـ) ، وآخرها للكسائي (ت / ١٨٩ هـ) ممّا يعني هذا معاصرتهم للإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) فتكون قراءاتهم من أظهر المصاديق المشمولة بتلك الرخصة. وأجود تلك القراءات هي قراءة عاصم بن أبي النجود من رواية أبي بكر بن عيّاش ورواية أبي عمرو بن العلاء ، إذ خلت من التكلّف في المدّ والإدغام