والإمالة الموجود في غيرها ، كما نبّه على ذلك العلاّمة الحلّي في المنتهى ، ومصاحف المسلمين اليوم هي بقراءة عاصم ، وهي القراءة المنسوبة إلى الإمام عليّ (عليه السلام).
والحقّ أنّ القراءات القرآنيّة الصحيحة والمشهورة والشاذّة أيضاً قد فتحت آفاقاً رحبة واسعة للدرس اللغوي ، لما فيها من محاسن علوم اللغة العربيّة وآدابها نحواً وصرفاً ونثراً وشعراً ، وتجلية غوامضها بصورة لا تكاد تجتمع في كتاب إلاّ في كتب الاحتجاج لتلك القراءات ، ويأتي كتاب المُحْتَسَب لابن جنّي في طليعتها ، فقد صنّفه ابن جنّي (ت / ٣٩٢ هـ) في أواخر حياته ، وغرضه منه الاحتجاج للقراءات الشاذّة ، ويقصد بالشاذّ ما سوى القراءات السبع وإن كان صحيحاً أو مشهوراً ، ونهج فيه على غرار احتجاج شيخه أبي عليّ الفارسي (ت / ٣٧٧ هـ) للقراءات السبع في كتابه (الحجّة في علل القراءات السبع) ، وكان ابن جنّي في المُحْتَسَب كما يصفه تلميذه الشريف الرضي (ت / ٤٠٦ هـ) في حقائق التأويل بأنّه : «يعلو بالتغلغل في استنباط المعاني ، والتولّج في غامضاتها ، والغوص في قراراتها» ، وهو كما يقول الرضيّ أيضاً : «وهو في هذا العلم ـ يعني علم القراءات ـ السابق المسوم ، والأوّل المقوم ، والبحر الجموم ، والدليل المأموم» ، والحقّ مع الشريف الرضيّ كما يبدو جليّاً من كتاب المُحْتَسَب الذي هو كنزٌ في النحو والصرف والبلاغة والأدب والشواهد الشعريّة ، بل مأثرةٌ من مآثر الشيعة في القرن الرابع الهجري كما بيّنته هذه الدراسة الفريدة بأحسن صورة. وإذ يسرّ المكتبة الأدبيّة أن تتقدّم بشكرها الجزيل للاُستاذ الدكتور حازم الحلّي على ما بذله من جهود مضنية بهذا الكتاب ; تتقدّم أيضاً بشكرها الجزيل للدكتور السيّد ثامر العميدي على ما بذله من جهد واسع في الإشراف على طباعة هذا الكتاب وتصحيحه وفهرسته.
والحمد لله أوّلاً وآخراً عليه توكّلنا وهو أرحم الراحمين.
المكتبة الأدبيّة