خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (٦٧ : ٣).
فقد هدى الخلق ككل منذ البداية حتى النهاية بما تزاح به العلل ، ويتكامل معه الخلق ، من سلامة الأعضاء واعتدال الاجزاء وترتيب المشاعر والحواس ومواقع الأسماع والأبصار ، لكلّ على حسبه وبمستواه ، وذلك هو الخلق الحكيم سبحان الخلاق العظيم.
ومثالا على تلك الهدى الشاملة هدى الأرض لتسجيل الصور والأصوات : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) ثم هدى النحل الى هندسة بيوتها واستجلاب عسلها : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ومن ثم كل وحي الى كل حي وميت من الكائنات تهتدي به الى ما خلقت لأجله تكوينيا وتشريعيا من مختلف طرق التكامل ماديا (١) ومعنويا. وقد تعني «ثم هدى» مثلث الهدى ، ثانيتها هدى كل شيء الى ربه ف (إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١٧ : ٤٤) والثالثة هدى العقلاء ـ بإحكام الخلق في كل شيء ـ الى الخالق الحكيم ، إذا ف «هدى» تعني كل شيء الى شيئه ، وبعض الشيء الى مخلوقية سائر الأشياء بدلالة عقلية ، فما من هدى تكوينية او تشريعية او شرعية فعلية ام مستقبلة إلا وهي من الله ، كما خلق كل شيء من الله ، ثم لغير الله الاختلاق والضلال ، كما له الخلق والهدى ف «الخير كله بيديه والشر ليس اليه».
فقد كان ذلك الجواب الحاسم القاصم للطاغية تعريفا عريقا برب العالمين
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٣٨١ في الكافي عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) قال : ليس شيء من خلق الله الا وهو يعرف من شكله الذكر من الاثنى ، قلت : ما يعني ثم هدى قال : هداه للنكاح والسفاح من شكله.
أقول : هذه هدى لبقاء النسل كمصداق من المصاديق المادية للهدى.