حيث جمع كل جوانب الربوبية لربهما كرب العالمين ، سلبا لسائر الربوبيات المدّعاة ، فان الكل فقيرة في ذاتها فضلا عن إعطاء خلق ام هدى لسواها! فالخلق بهداه الواسعة الشاسعة ، والشاملة كل كائن من الذرة وما دونها وما فوقها ، من الخلية الواحدة الى ارقي اشكال الحياة ، مشمول ل (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
هذا الكون الكبير المؤلّف مما لا يحصى من الذرات والخلايا ، كل ذرة فيه تنبض وكل خلية تحيا ، وكل كائن يتفاعل او يتعامل مع الكائنات الاخرى .. تعمل منفردة ومجتمعة داخل إطار النواميس المودعة في كينونتها او غريزتها او فطرتها وعقليتها ، بلا تعارض كوني ولا خلل ولا فتور.
(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ٥١.
لما أفحم الطاغية بهذه الحجة البالغة المحلقة على الأصول الثلاثة ، انتقل في حواره الى واجهة اخرى ، استبعادا لها : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) والبال هو الفكر والحال ، الحال التي يكترث بها كما يقال : ما باليت بكذا بالة ، اي ما اكترثت به ، والحال التي ينطوي عليها الإنسان فيقال : خطر ببالي.
فهنا استبعاد أول في بال الفكر للقرون الاولى ، إذ كانت الاكثرية المطلقة منهم مشركين ، فإذا كان التوحيد حقا فما بال القرون الاولى إذ كانوا مشركين؟ سنادا في ابطال الحق الى الاكثرية الساحقة من القرون الاولى كأنها حجة تدمغ بالغة الحجة.
ثم استبعاد ثان ، ان لو كان التوحيد حقا وان العذاب على من كذب وتولى ، فما حال القرون الاولى التي مضت وضلت في الأرض ، فهو كقيلة لهم اخرى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)