الإلهية في نفوس السحرة لحد لم يتمالكوا أنفسهم عن سجدة كأنها اتوماتيكية ، وتراهم كيف ألقوا سجدا بعد ما ألقى موسى عصاه ، حيث ألغوا ما ألقوا؟
لأنهم رأوها (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٧ : ١١٧) واللقف هو تناول بحذق ، وقد تناول ثعبان العصا وتلقف كلّ ما افكوا.
فعصى صغيرة تتحول ثعبانا عظيما فتلقف كل عصيّهم وحبالهم من ناحية ، ولها ما للثعبان من أعضاء خلاف حبالهم وعصيتهم التي كان يخيل اليه من سحرهم ـ فقط ـ انها تسعى دون أعضاء ، من اخرى ، وعدم رجعها ما لقفته من ثالثة ، وعودها عصى صغيرة كما كانت من رابعة ، ـ وواحدة منها يستحيل ان تتم بأيّة حيلة ساحرة ـ كل ذلك جعل السحرة قاطعين كوضح النهار أنها آية الهية قاهرة وليست حيلة ساحرة!.
وإنها اللمسة المفاجأة القوية تصادف العصب الحساس فينتفض كيان الإنسان كله ، كما تصادف الذرة فتفجرها وتشرق النور عن ظلامها ، وقد تحولت السحرة كلهم من ظلام الشرك الى نور التوحيد بكلمة واحدة ساجدين (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)!
ولماذا (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) دون «ربنا» او «رب العالمين»؟ حتى يميزوه تعالى عن أرباب اخرى. ف «ربنا» و «رب العالمين» قد يخيل منه انه الطاغية لمكان دعواه (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ولكن موسى وهارون الناكرين لكل ربوبية الا الله ، كان التصريح بهما في ذلك الموقف صراحا لتلك الربوبية الصادقة الماحقة لسائر الربوبيات ، مهما بدلوا الصيغة في حوارهم مع الطاغية : (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (٢٦ : ٥٠). اعتمادا على تلك السابقة السابغة الصارحة الصارفة (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) وقد يتقدم هارون هنا على موسى لكي تحسم مادة ربوبية الطاغية لموسى (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) فانه موسى دون هارون ،