فليقدّم عليه هارون حسما لذلك التخيل واستأصالا له عن بكرته.
هنا «السحرة» ـ جمعا محلى باللّام الدال على الاستغراق ـ ، ألقوا سجدا مؤمنين بالله وهم اليه منقلبون ، وفي يونس (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)(٨٣) والسحرة جم غفير وهم لم يكونوا من قوم موسى فكيف التوفيق؟.
علّ هذه القلة المؤمنة من قومه كانت قبل ان يلقي عصاه ـ وقد القوا حبالهم وعصيهم ـ وبعد عظته لهم : (قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ ... فَما آمَنَ لِمُوسى ..).
ولكنما السحرة آمنوا به بعد ما القى عصاه صامدين غير متخوفين كما هو صراح حوارهم مع الطاغية حين أخذ يهددهم! :
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) ٧١.
ذلك! وأنّى للطغاة أن يدركوا الإسلام ويميزوه عن الاستسلام ، أنّى لهم ان يدركوا كيف تتقلب القلوب بأمر من مقلب القلوب ، وحتى قلب الطاغية حيث أحب عدوه موسى ورباه في حجره عمرا دون ان يعرفه بعدائه.
وهكذا يخيّل هنا الى الطاغية ان الايمان بالله هو ـ من ضمن سائر الاستسلامات لأمره ـ لا بد وان يكون باذنه ، وكأن القلوب من ممتلكاته كما القوالب ضمن ما سيطر عليه بالسيف والنار ، خلطا بين القوالب والقلوب وهي لا تقلب بإكراه ولا يغلب عليها بإكراه ف (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)!