ثم وركيزة الايمان في القلوب درجات ، فقد تضعف ام تنمحي بما يتغلب عليها تسويلا ، ام تبقى ولكن صاحبها يتظاهر بخلافها حفاظا على حياته (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) وقد تركز لحد تحلّق على كل كيان المؤمن ، وللحفاظ على سيادة الايمان أمام الطاغية ، وهدي المستضعفين المستغلّين الى الايمان ، لا يخافون اي تحديد او تهديد وكما نراه من سحرة فرعون ، فان موقفهم الحاسم كان يتطلب هكذا صمود في ظاهر الايمان كما في باطنه ، فما قيمة ايمان في الباطن بكفر يتّقى به في الظاهر ، حيث يغري المتحرين عن الهدى ويبقي الباغين للردى ، وليس (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) إلا جوّالا يضر بكتلة الايمان ، ولا بالضالين المتقبلين له بحجة ظاهرة باهرة.
ونرى الطاغية هنا وقد خسر السحرة وهم كل من يملكهم من الحجة في تلك المباراة ، نراه يتهمهم كما اتهم موسى ، حسما للموقف المتزعزع بين الحاضرين : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فهنا لك تواطؤ بينكم ومؤامرة كانت خفية ، وقد ظهرت في ذلك المسرح الصريح.
وقد صبغ الموقف بصبغة سياسية اضافة الى الروحية ، ان السحرة احتفوا حول كبير لهم هو موسى وكما في الأعراف (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (لَأُقَطِّعَنَ .. قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ)(١٢٥).
وهذه هي دعاية متعودة بين فراعنة التاريخ امام الرسل والمؤمنين ، صدا لزعزعات المستضعفين ، تزيينا لهم سلطاتهم الروحية والزمنية ، وتهديدا بان في تقبّل الدعوة الرسالية زوالها وهي حياة الرعية ، فالقائد يعارض تلك الدعوات حفاظا على صالح الرعية روحيا وزمنيا.
وان في ذلك تعمية منهم في بعدين بعيدين ، أولاهما هي فاسد السلطة