الروحية الحاضرة ، وأخراها هي صالح الاخرى الزمنية المحتضرة ، إظهارا للحق بمظهر الباطل والباطل بمظهر الحق «فهنالك استحوذ الشيطان على أولياءه ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى».
ولما يرى الطاغية ان هذه الدعاية والفرية الماكرة لا تؤثر في صميم ايمانهم ، ولا يزعزع من مكين إيقانهم ، انتقل منها الى تهديد بنوع آخر : «فلأقطعن» استعلاء بالقوة الغاشمة الوحشية التي تستعمل مع الوحوش ، دون تمييز بين انسان يقرع بالحجة وحيوان يقرع بالنائبة.
(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) عذابا معمولا متداولا بحق أفسد المفسدين ، ثم (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) عذابا فوق العذاب لقمة الإفساد ، ولكي ينظر الناظرون فيعتبروا ، وينذر المنذرون فلا يتبعوهم ، ومن ثم (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى)؟ هل هو موسى بما يهددكم بعذاب الأخرى ، ام انا المعذب لكم هكذا في الاولى ، واين غائب من حاضر ، وموعود من واقع؟ ثم «وأبقى» سلطة ، هل ان موسى هو الأبقى وهو في يدي وتحت سلطتي ، ام انا الابقى ، فأين إله موسى حتى يعذبني وملئي حتى لا نبقى؟ واين هو من هذا المسرح حتى يبقى موسى فلا نبقى؟.
فلقد هددهم فرعون بما هدد فما أبقى ، ولكنه ما يصنع التهديد ـ أيا كان ـ بحديد الايمان وشديده بأشدّه ، اللمسة الإيمانية التي وصلت إلى أعماقهم ، واندغمت في ذواتهم ، فلا تزهق مهما أزهقت أرواحهم ، حيث آثروها على الحياة الدنيا بحذافيرها ، فلا يخافون إذا أظافيرها بحذافيرها :
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما