و «ثم» هنا تجعل اجتباءه الرسالي متأخرا عن توبته تعالى عليه وهداه ، وهذه طبيعة الحال في الاجتباء ، كما ان (فَتابَ عَلَيْهِ) تدل على توبته الى الله فتاب الله عليه ، وهذه التوبة محفوفة بتوبتين من الله الى التائب ، من قبل حتى يتوب الى الله ، ومن بعد توبة من الله عليه تقبلا منه ، حتى يتوب عليه : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٩ : ١١٩).
كما أنّ «وهدى» هي هدى بعد توبة الله عليه ثانية ، وليس الاجتباء إلا بعد هذه الهدى ، فهو المرحلة الخامسة بعد تخطيّه هذه الأربع ، توبات ثلاث وهدى ، والاجتباء هدى رسالية بعد الهدى الخاصة المبيّنة صلاحية الرسول كشخص ، وهي المعنية بالهدى التالية:
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) ١٢٣!
هنا (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) وفي سواها (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) (٢ : ٣٨) (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (٢ : ٣٦) وو ٧ : ٢٤) فهل المخاطب مثنى فكيف الجمع في ذلك الجمع؟ ام هو جمع فلما ذا المثنى في هذه اليتيمة؟.
«اهبطوا» في هذه الثلاث الاخيرة تجمع آدم وزوجه والشيطان ، و «اهبطا» هنا بقرينة الجمع في «يأتينكم» والعداء في (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) تعني نفس الجمع ، والتثنية اعتبارا بالفريقين المتناحرين على طول خط الحياة ، فالعداء الأصيل هو بين الشيطان والإنسان ككلّ ، ويتفرع عليه عداء ثان بين قبيل الإنسان (قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (١٧ : ٥٣)
وهنا احتمال ثان ان التثنية تعني قبيلي الرجال والنساء المنتسلين من الأولين ، ومباعضة العداء تعم عداء كل للآخر ، وعداء كلّ مع قبيله ،