ثم الشيطان رأس الزاوية في كل عداء.
وذلك العداء بين قبيل الإنسان ، واثره عليه من قبيل الشيطان ، هما لا يزولان ام يخفان إلا بهدى الله الملك المنان :
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ونون التأكيد تنسف التردد في إتيان هدى الى التأكد منها ، و «هدى» هذه ، الآتية بعد الهبوط ، ليست هي الفطرية والعقلية والحسية وقد أوتيها كل مكلف منذ خلقه ، بل هي الهدى الرسالية بالوحي ، غير المستطاعة لهم ، سواء أكانت هدى العقل صدا عن اخطاءه اما زاد ، وعليها هي مادة الرسالة الاولى التي حملها آدم (عليه السلام) حيث الشرعة الإلهية بفروعها الأحكامية الشاملة انما ابتدئت من نوح : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ..) (٤٢ : ٤٣) فقد (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ..) (٢ : ٢١٣) والنبيون هنا هم حملة الشرائع منذ نوح الى محمد (عليهم السلام) ، وآدم كان رسولا مهديا بهدي الدلالات العقلية الناضجة ولم يكن نبيا ، حيث النبوة هي منزلة رفيعة في الرسالة ، وآدم لم يحظو إلا مرتبة دانية بدائية من الرسالة.
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) في أية شرعة الهية (فَلا يَضِلُّ) اتباعا للشيطان ، وعداء بعضهم لبعض ، وقصورا للعقل عن كامل المصلحة الحيوية ، وبالنتيجة (وَلا يَشْقى) بالرغم من ان الحياة الدنيا هي حياة الشقاء ، وباحرى (لا يَشْقى) في البرزخ والأخرى ، فالشقاء في الحياة لمتبع الهدى منفية ، في عيشة راضية مرضية ، وقد يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم) في تفسير آية الهدى «من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة ..» (١) وهذا تفسير
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣١١ ـ اخرج ابن أبي شيبة والطبراني ـ وابو نعيم في الحلية وابن ـ