والمعيشة فعيلة من العيش وهو بالنسبة للمعرضين عن ذكر الله عيش الحياة الحيوانية التي يظن انهم منها في رياحة دائبة ، واما الروحية فهي خاوية عنهم وهم خاوون عنها ، ولان الروح يتطلب ـ فطريا ـ اللامحدود من الكمال ، وهم اثّاقلوا الى الحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فلا يجدون بغيتهم فيها ، وهم في نفس الوقت في تزعزع وتلكع دائب إذ لا ينالون منها غاية ما يحبون فيها.
فالمعيشة الضنك المخلّفة من الاعراض عن ذكر الله هي الضلال المبين والشقاء الأشقى (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) هي ابرز مصاديق المعيشة الضنك ، ثم البرزخ ثم الدنيا» (١).
والقلب الهاوي المضطرب المرتكن الى الدنيا ولذاتها لا يعيش صاحبه الا معيشة ضنكا مهما كان في سعة ومتاع ، حيث المقطوع الصلة عن الله والاطمئنان الى حماه هو في ضيق وضنك الحيرة ، حرصا على حاضره ، وحزنا على غابره ، وطمعا في مستقبله بكل محاظره ، فهو دائبا يعيش ضنك الجري وراء بوارق المطامع والحسرات على ما لا يناله ، وقد يروى عن رسول الهدى قوله «عقوبة المعصية ثلاثة ضيق المعيشة والعسر في الشدة وأن لا يتوصل الى قوته الا بمعصية الله تعالى» (٢).
وهذه هي الدنيا التي لا جزاء فيها ، فكيف بالآخرة؟ (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣١١ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية قال : عذاب القبر.
(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٢ : ١٣١ روي عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال : ....