ومن ثم «إليكم» في وجه عام وكما هو طبيعة الحال في الدعوة القرآنية العالمية ، فيه «تعني ذكركم» التذكر بالقرآن على طول خط الزمان والمكان (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٤٣ : ٤٤) وقوم الرسول كرسول هم العالمون أجمعون : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٥٠ : ٤٥) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩).
ثم القرآن هو ذكر الشرف والمنزلة لمن به تذكر ، وببصائره تبصّر واعتبر وتشرّف.
فلو نزلت عليهم آية كما أرسل الأولون بديل هذا القرآن ، لم يكن فيها ذكر شرفا وذكرى ، بل كان لهم في تكذيبها الهلاك كما أهلك الأولون :
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) ١١.
القصم هو كسر الشيء الصلب ، والمترفون الجبارون في هذه القرى كانوا أصلب شيء عيدانا وأمنعه أركانا!.
وهكذا يتهدد المسرفين الظالمين قصما وهي أشد حركات القطع ، و «من قرية» هي بعض القرى الظالم أهلها المترفون : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٧ : ١٦).
ثم «قرية» هي الديار والدّيار ، وهم الأصل في الدمار والقصم يشملهما ، كما الإنشاء هي انشاءهما ابتداء بالديّار ثم الدّيار ، وبالتالي نشهد مشهد حراكهم في القرى المقصومة ببأس الله وهم كالفئران في المصائد :
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) ١٢.
«يركضون» وأنى لهم ركضة بغير ركزة؟ «يركضون» (سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى