هذا ولكنه دون المرتفع العال وكما قال (ص) لمن ارتفعت أصواتهم «يا ايها الناس اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم ولا غائبا انه معكم سميع قريب» (١).
اجل ولكل قال مجال ، ولكل حال قال يقتضيه المجال ، فلا جهر لإسماع ربنا المتعال ، ولا فوق العال على أية حال ، فلا مرجح لجهر القول في الدعاء في ذاته بل هو مرجوح غير ممنوح ، اللهم إلّا لتعليم او تذكير ، ام سنّ سنة الدعاء ، ام حظوة من سماعها تزيد في عمقها.
ثم ذلك هو السرّ فما هو الأخفى؟ «السر ما أكننته في نفسك ، وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته» (٢) ثم وأخفى من ذلك الأخفى ما لم تنوه ، او لم تعلمه ثم تنويه ، أو لم تعلمه فتفعله ام لا تفعله (٣) والأخفى المطلقة في الآية تعمهما وما لن ينوه او يعلمه أو يفعله ابدا ، مثلث من الأخفى تقابل السر ، والكل مقابل الجهر ، وهذه الخمس في علم الله سواء: (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (١٣ : ١٠) مهما كان لا سواء بالنسبة لنا علما وحظوة في الدعاء الجاهرة في رنينها وطنينها وحنينها.
__________________
(١) المصدر عن الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري قال : كنا مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : ....
(٢) نور الثقلين ٣ : ٣٧٣ بسند متصل عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) قال : ....
(٣) الدر المنثور ٤ : ٢٩٠ ـ اخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في الآية قال : السر ما اسره ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفى عن ابن آدم مما هو فاعله قبل ان يعلمه فانه يعلم ذلك كله فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة.