اجل «سبحانه» ان يتخذ هؤلاء ولدا «بل» هم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) بما أكرمهم الله بالعبودية بعد ما أكرموا أنفسهم بها ، فلا كرامة للعبد مهما بلغ الذروة ، إلا كرامة العبودية ، فلا يزال العبد يكرم ربه بعبوديته ، كرامة لنفسه ان يعبده قدر مقدرته ، ثم المعبود يكرمه بكرامة على كرامته ان يخلصه لنفسه ، بعد ما أخلص هو نفسه لربه ، واين إخلاص من إخلاص ، إخلاص من العبد وإخلاص من المعبود.
فليس من إكرام الله لهم ان يتخذهم له ولدا سبحانه ، فان الولادة التشريفية مستحيلة كما الحقيقية ، حيث التشريف مجاز وهو لا يجوز في الأمور المستحيلة ، وانما هو جواز عن الحقيقة الكائنة او الممكنة.
فقد يصح لعالم رباني ان يتخذ تلميذا له صالحا ولده تشريفا له وذلك مسموح ، دون معنى البنوّة الحقيقية او التبني ، ولكنه لا يصح او يمكن بحق الله ، قضية الإمكانية في حقيقته هناك واستحالته هنا.
وحتى لو أمكن ذلك الاتخاذ لم يكن فيه تشريف ، إذ لا شرف للعبد اشرف من شرف العبودية ولا يساميها ايّ شرف ، وكما التشريف بالربوبية له مستحيل كذلك البنوّة.
ومن مواصفات هؤلاء العباد المكرمين التسليم السليم لرب العالمين :
(لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ٢٧.
ليس هنا لك اي سبق لهم على ربهم فيما امره اليه ، ارادة ام قولة ام فعلة (لا يَعْصُونَ اللهَ (١) ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٦٦ : ٦).
وعلّ «القول» هنا يعم الأوليين كما تدل عليه (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ثم الثالثة تخصها (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وهذه عصمة كاملة شاملة كل كيانهم دون إبقاء.