وفي تقديم «بامره» على «يعملون» حصر وتحتيم لاختصاص اعمالهم بأمر الله ، فلا يعملون عن امر أنفسهم ولا سواهم ، إلا الله.
وليس ذلك الأمر تكوينيا يسيّرهم دون اختيار منهم ، حيث «لا يسبقونه ـ و ـ يعملون» ينسبان السلب والإيجاب إليهم ، والعمل المسيرّ لا طاعة ولا معصية!
ثم امره يعم الفعل والترك ، ف «يفعلون» تعم فعل الفعل وفعل الترك ، تدليلا على ان ترك الحرام ممدوح فيما لك فيه الاختيار كفعل الواجب ، فكما الفعل الممدوح هو المختار كذلك تركه.
فهم بكل إراداتهم وأقوالهم وأفعالهم يحملون امر الله ومشيئته ، حيث هم اداة مشيئته وولاة امره دونما حاجة منه إليهم.
وتراهم ـ إذا ـ كيف سبقوه سبحانه في القول (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وقد جمعوا فيه الى سبق القول وسؤال الفعل و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)؟
علّه يستثنى من ذلك الإطلاق تفلتا عما هم عليه ، ام انما قالوا ما قالوه وسألوا ما سألوه بأمره تعالى لكي يكونوا على ضوء جوابه (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) عارفين مدى جهلهم فيزدادوا منه تعلما ولديه تسليما! :
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(٢٨).
فمن (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) مستقبلهم وحاضرهم ، ومن (ما خَلْفَهُمْ) غابرهم ، ام كل مستقبل وحاضر وغابر مما يعلمون وما لا يعلمون ، فهو يحيط بهم وبمن سواهم علما (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ)!.
ثم (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) الله من المشفّع لهم ، وقد كان