وذلك من مسارح الغلبة الربانية على الذين هم عن ذكر ربهم معرضون (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ)؟ كيف ، ونحن نرى الأرض طول تاريخها الانساني تطوى فيها رقعة الدول المتغلبة المتألبة فتنحسر وتتقلص وتتنكّس ، فإذا هي ويلات في دويلات بعد ما كانت امبراطوريات كالروماني والايراني ، وإذا هي مغلوبة على أمرها وقد كانت غالبة على آخرين.
(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) ٤٥.
إنذار رسالي ليس إلا بالوحي ، دعاء لمن يسمع الدعاء ، فاحذروا أن تكونوا من الصّم الذين لا يسمعون الدعاء فتطوى الأرض تحت أقدامكم ، وتقص يد القدرة الربانية اطرافكم ، فتصبحون جيفة جيفة بعد ما كنتم ـ كما تزعمون ـ في حياة ناعمة شريفة.
فلا قصور ولا تقصير في الإنذار بالوحي ، وانما ذلك فيمن ينذرون ولا يسمعون (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٨ : ٢٢) حيث تنازلوا عن السمع والعقل انسانيا ، فأصبحوا شر الدواب (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩):
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ٤٦.
«نفحة» فقط دون زيادة ، وهي النفحات الدنيوية بمختلف العذابات مستأصلة ودونها ، وهي على أية حال نفحة من العذاب واصابة اليسير منه القصير ، دون نفسه الطويل العسير ، يدل واقعه على عظيم متوقّعه ،