تنازل عن فطرته وعقليته.
وعلّ «فطرهن» جمعا دون فطرهما ، لكي تشمل معهما هذه التماثيل ، فهو ـ إذا ـ رب للعابدين والمعبودين سواه ، فكيف يعبدون سواه؟.
فلست انا ـ فقط ـ الذي جاء بالحق في التوحيد ، بل الكون كله ، ولست أقوله دون ايمان كالذين (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) بل اشهد به كما يشهد الشاهدون ، فلست انا من اللاعبين ، بل جئتكم بحق مبين.
هذه شهادة ابراهيمية على التوحيد وانه الحق الجدّ ، وبالتالي يثنيّها بالواقع الذي توعّده.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ٥٧.
موقف جريء ما اجرأه وأجراه على يديه ، أمام تلك الحشود المحتشدة المشركة ، تاركا ما اعتزمه من كيد الأصنام ، الأكيد ، مبهما دون إفصاح ، مما يضخّم أبعاد الوعيد ، وكأنهم نظروا الى وحدته دون ناصر فوهدته لو اعتزم ، فلم يأخذوا وعيده بعين الإعتبار ، سنادا الى قوتهم وضعفه ، لذلك لم يرجعوا له جوابا ، فلو كان لبان حيث الموقف موقف البيان.
كيد مؤكد لاصنامكم (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) كما ولّوا وتركوه ، تهوينا لكيده المعتزم وتوهينا لحقه المخترم وقبولا لعذره الكائد المكتتم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (٣٧ : ٨٩) :
فلما هموا بالذهاب الى عيد لهم ، طلبوا اليه ان يرافقهم فأبى عن الانسلاك في سلكهم بعذره العاذر : (إِنِّي سَقِيمٌ) دونما سقم ظاهر ، إلا سقم النفس واضطراب الحال وكسوف البال ، حيث كان يتقطع حزنا على اشراكهم ، ويتميز غيظا لأنهم لم يلبوا ندائه ، وقد عقد عزمه ان يهدم صرح آلهتهم التي ألهتهم ويقوّض عرشهم ، لما رأى الحجة القولية لا تنفع