وإلّا فقد أتاه حديث موسى ان كانت مقدمة عليها ، مهما كان في النقلين فوارق تكمّل كل الأخرى ، والاستفهام هنا لتقرير العجاب عن حديث موسى واولى به ثم اولى.
فالقصص تقص الذي حصل لموسى قبل قصته هنا ، وهذا بداية الوحي الرسالي لموسى بعد وحي النبأ من ذي قبل : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٨ : ١٤).
(إِذْ رَأى ناراً) (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٨ : ٢٩) : ـ.
(فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) مكثا يسيرا (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) والإيناس هنا مما يلمح أنه كان في برد قارص كما يدل عليه (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) كما تلمح انه ضل الطريق وكان الليل مظلما (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(١) وكما يقال انه في رجوعه من مدين ضل الطريق في ليلة ظلماء وبردة قرصاء ، وريح عاصفة وغنم له متفرقة وطلق الزوجة ، فرا نارا فقال لأهله امكثوا ، كأنهم كانوا ناظرين فرجة إلهية وهي الآن على مشارفها!.
وقد نهتدي من (أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) الى تفرّسه من هذه النار هدى رسالية بعد ضلاله في سنيّه العشر ، كما (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) قد يخبر بهذه الفروسية.
وطبيعة الحال في هذه الفترة الطائلة عشر سنين تقتضي ان يتفرس في
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٣٧٣ عن تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : آتيكم منها بقبس «يقول : آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد او أجد على النار هدى ـ كان قد اخطأ الطريق ـ يقول : او أجد على النار طريقا.