كلّ يرغب في القصاص من ابراهيم ، فجاءوا به وسط الجمع الزاخر بالقمع القاهر ، وأخذوا يحاكمونه استجوابا عن الطامّة الواقعة ، أمام الجماعة المتغيّظة التي تحرق الإرم حنقا وغيظا.
(فَأْتُوا بِهِ) إتيانا جاهرا (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) حيث يعاينونه في نفس المشهد وقبل ان تتفرقوا (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) يشهدونه من هو هذا الجريء ، ويشهدون عليه انه الفتى الذي كان يذكرهم ، ف «يشهدون» إقراره على فعلته ، ثم «يشهدون» نكاله بفعاله ، كيلا يطمع طامع بعد في فعلته ، اجتثاثا لجذور هذه الضغينة الشكيمة بالآلهة ، ولكي يرتاح عابدوها بما يشهدون من نقمته.
شهادات اربع علّها معنية كلها حيث يتحملها اللفظ والمعنى ، فإن «يشهدون» الأجرد عن متعلقات ، تعم كافة المتعلقات من شهادة نفسه وإقراره وعذابه والشهادة عليه انه هو لا سواه.
(قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) ٦٢.
استفهام استنكار للأخذ بالإقرار حتى يشهدوا إقراره ، ليكون في عزمهم على تحريقه إعذارهم ، و «آلهتنا» دون «الآلهة» كاعتراف منهم انه كان ينكرهم.
وابراهيم الذي اصطنع ذلك الجو الحاشد ، والمسرح السائد ، تراه ماذا عليه في الاجابة عن ذلك السئوال العضال ، حتى يحقق مأموله؟.
فهل يصارح بالواقع كما وقع : «أنا فعلت» وفي ذلك تهديم لصرح الحجاج ، وتعجيل منهم لكل عقوبة ولجاج ، فيصبح ما صنعه باطلا يرجع الى بوار ، فلا حجة تحصل ، ولا الرسول يبقى بل ينكل ، حتى ان بقي فما فائدة بقية في حياة الرسول دون تحقيق لحجته ، بل والناكرون للتوحيد يزدادون لجاجا حين يرون آلهتهم جذاذا دونما حجة ، تجعلها جذاذا بها بعد