ويا لها من نكسة على الرئوس بعد رجعة الى النفوس ، ثم قالة صارخة بتأكيد الخطاب (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) ارتكاسة مثلثة الزوايا بحجة واحدة في المسرح كان فيها مصرعهم لو ظلوا منتبهين ، وهذا وصف ما لحقهم من الخضوع والاستكانة والإطراق عند لزوم الحجة وقد شبّهوا بالمتردي على رأسه ، تدويخا بنصوع البيان ، وإبلاسا عند وضوح البرهان.
وهنا ينتهض الداعية الواعية بكلمتين كالمتين كحجة اخيرة فيها كل تأنيب على ضلالتهم :
(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ٦٦ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ٦٧.
(أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٣٧ : ٩٦) فعبادة الإله ، اما هي لاستجراء نفع وليست هي نافعة لأنفسها فضلا عن عابديها ، ام لاستدفاع ضر ، وليس هي ضارة ، بل متضررة كما جعلت جذاذا ، ام لكمال ذاتي وان لم تنفع او تضر ، وهي ميتة لا تشعر ، أم وحتى لو كانت تشعر فكيف تعبد وهي لا تنفع ولا تضر ، «أف لكم» تضجرا وتبرّما لصنيعكم ، (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) فقد ضعف الطالب والمطلوب ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟
وانها قالة في حالة تقتضيها قضاء حاسما ، استعجابا من السخف الذي يتجاوز كل مألوف ويتجاهل كل معروف ، فضربة صارمة قاضية علّهم يفيقون ، ام يفعلون كما يشتهون.
هنا لك احترقوا بما فعل ، فاخذتهم العزة بالإثم ، تجاهلا عما قالوه ، وتغافلا عما فعلوه ف :
(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ٦٨.