(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (٣٧ : ٧٩) تحريقا عريقا كما احرق أكبادهم حيث جعل آلهتهم جذاذا كونا وكيانا ، وجعلهم جذاذا فيما كانوا يعتقدون ، فلم يجدوا بدا إلا ان يؤمنوا وهم لا يؤمنون ، او يعكسوا امر الحرق عليه وقد فعلوا زعم انهم قاهرون.
ويا لها من آلهة كالحة ينصرها عبادها بعد جذاذها! وذلك التحريق هو في الحق تحريق لأجداث الآلهة بعد جذاذها ، ان لا حول لها ولا قوة ، حيث هي بحاجة الى نصرة عبّادها ، وليسوا لينصروها ولو احرقوا ابراهيم!.
«قالوا» وافتعلوا ما بمكانتهم من بنيان الجحيم ، فلما القوه في الجحيم أصبحت جنة بقالة تكوينية :
(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) ٦٩.
وهنا يطوي السياق الحال بين القالين ، مما يلمح ان لم يكن لإبراهيم مقال آخر معهم ، ولا مقال مع آخر ، وإنما هي الحال والله يرى الحال على أية حال.
في هذه الحالة المحرجة يروى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل (عليه السلام) قال : لما أخذ نمرود ابراهيم ليلقيه في النار قلت يا رب عبدك وخليلك ليس في أرضك احد يعبدك غيره ، قال الله تعالى : هو عبدي آخذه إذا شئت ، ولما ألقي ابراهيم (ع) في النار تلقاه جبرئيل (عليه السلام) في الهواء وهو يهوي الى النار فقال : يا ابراهيم لك حاجة؟ فقال : اما إليك فلا ، وقال : يا الله يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد نجني من النار برحمتك ، فأوحى الله تعالى الى النار : كوني بردا وسلاما على ابراهيم (١).
__________________
(١) بحار الأنوار ١٢ : ٣٩ بسند عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ـ