صح التعبير ـ قاصدة مع المعصومين ، إلّا بيانا عن ذاتياتهم (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).
(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ).
اجل وان داود هو النبي المفضل في بني إسرائيل بعد موسى والمسيح فان لهما شأنهما : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١٧ : ٥٥) (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (٣٤ : ١٠) فليس ـ إذا ـ (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) اختراما لداود واحتراما لسليمان ، بل هي حكمة بالغة إلهية ولطف خفي بأمر جلي مهما كان ظاهره إمرا.
ومن تسخير الجبال معه (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أوبة منها تتبع أوبته كما يسمعها وكذلك الطير ، وليس ذلك بدعا منا لخصوص داود ، بل (وَكُنَّا فاعِلِينَ) في سلسلة الرسالات بمختلف الجلوات.
وقد عرف داود بمزاميره الرنانة الحنانة ، تسابيح لله يرتلها بصوته الحنين الحزين ، فتتجاوب معه الجبال والطير ، وكأنما الكون كله فرقة مرتلة عازفة مسبحة معه بجلال الله وحمده.
صحيح انه (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١٧ : ٤٤) إلا أن داود فقّه تسبيحهم بل وكان يسمعهم كيف يسبحون ربهم ، فالجبال هنا مثل الجوامد ، والطير مثل الحيوان وبينهما النباتات ، فعلّه فقّه منطق كل شيء ، ام ما حوله من الجبال والطير دمجا للجماد في الحيوان الى تسبيحه!.
(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(٨٠).