«وعلّمناه» تلمح بأنّ ذلك العلم المعلّم بادئ من داود ، فلم يكن يصنع قبله لبوس ، وهذا يلمح انه الدرع والمغفر ام وسائر ما يلبس لخصوص البأس إحصانا منه ، و «لبوس» مبالغة «لباس» ما يبالغ في لبس الإنسان حالة البأس ، وهو الحرب ، ومما عبّد له علمها وصنعه بسهولة (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) إلانة دون اسباب معوّدة (... وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ). ان اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا اني بما تعملون بصير» (٣٤ : ١١) والسابغة هي الدرع التام ، وتقدير السرد هو نضج الحديد فنسج الدرع «لتحصنكم» اللبوس المقدّر المسرود ، ام والمغفر وعلّه أحرى «من بأسكم» حربا (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) ذلك الإحصان الإحسان إليكم منذ داود (عليه السلام) بما في هذه الصفة من تطوّرات حيث الحضارة البشرية سائرة في طريقها الى التقدم خطوة خطوة وراء الكشوف المتجددة يوما فيوما دون قفزة ولا طفرة ، ولكن صنعة لبوس لكم بإلانة الحديد وعمل السابغات كانت قفزة وطفرة تخترق العادة المألوفة.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) ٨١.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ..) (٣٤ : ١٢) (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) (٣٨ : ٣٦) ، والريح منصوب حيث هو معطوف على مفعول التسخير «وسخرنا لسليمان الريح ..».
ريح عاصفة غدوها شهر ورواحها شهر ، تجري بامره رخاء حيث أصاب ، الى الأرض التي باركنا فيها وسواها حيث أصاب (١) «وكنا» من قبل ومن بعد وفي ذلك الذي علمناه وسخرناه (بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ).
__________________
(١) راجع تفسير الآيتين في سبأ وص تجد فيهما تفصيل جريان الريح حيث أصاب.