وليس فقط تسخيرا لمن لا يعقل وليس له اختيار ، بل وسخرنا له (مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ ...) :
(وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) ٨٢.
(وَمِنَ الشَّياطِينِ) وهم بعضهم الذين استخدمهم لشاقة الأعمال (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) في البحر لاستخراج متاع منه (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) حيث (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ ..) (٣٤ : ١٣) ام ودون ذلك مما لا نعلمه والله يعلمه (وَكُنَّا لَهُمْ) الشياطين العاملين له «حافظين» عن شيطناتهم وتخلفاتهم في اعمالهم لسليمان ، حفظا عن الهرب وأي إفساد وجرب ، لصالح الخدمة السليمانية.
وعلّ الشياطين هنا تعم شياطين الجن والانس ، وقد لا ينافيه (... وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ ...) (٣٤ : ١٣) فالشياطين نص في الكفار ظاهر في شياطين الجن والانس ، والجن نص في الجن ظاهر في كفارهم وسواهم ، والنصان متوافقان في شياطين الجن ، فهم القدر المعلوم من عماله ، ثم يخرج مؤمنوا الجن والانس ، ويبقى شياطين الانس في الظاهر الاول ، ولا ينافيه نص الجن لعدم الحصر.
«ولو ان أحدا يجد الى البقاء سلما او لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة وعظيم الزلفة فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت وأصبحت الديار منه خالية والمساكن معطلة ، ورثها آخرون» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٢.