(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى ١١ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ
__________________
ـ حاتم عن وهب ابن منبه قال : لما راى موسى النار انطلق يسيرا حتى وقف منها قريبا فإذا هو بنار عظيمة تفور من ورق شجرة خضراء شديدة الخضر يقال لها العليق لا تزداد النار فيما يرى الا عظما وتضرما ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنا فوقف ينظر لا يدري ما يصنع الا انه قد ظن انها شجرة تحترق وأوقد إليها موقد فنالها فاحترقت وانه انما يمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جذعها فوضع أمرها على هذا فوقف وهو يطمع ان يسقط منها شيء فيقتبسه فلما طال عليه ذلك اهدى إليها بضغث في يده وهو يريد ان يقتبس من لهبها فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنها تريده فاستأخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها ولم تزل تطمعه ويطمع بها ثم لم يكن شيء باوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر موسى في أمرها فقال هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تتضرم في جوف شجرة فلا تحرقها ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين فلما رأ موسى ذلك قال ان لهذه شأنا ثم وضع أمرها على انها مأمورة او مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرا لا يدري أيرجع ام يقيم فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد مما كان خضرة ساطعة في السماء ينظر إليها يغشى الظلام ثم لم تزل الخضرة تنورا تصفر وتبيض حتى صارت نورا ساطعا عمودا بين السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكلّ دونه الأبصار كلما نظر اليه يكاد يخطف بصره فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس الا انه سمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظما فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا وما يدري من دعاه وما كان سرعة اجابته الا استئناسا بالانس فقال لبيك مرارا اني لا سمع صوتك وأحس حسك ولا ارى مكانك فأين أنت! قال : أنا فوقك ومعك وخلفك واقرب إليك من نفسك فلما سمع هذا موسى علم انه لا ينبغي هذا الا لربه فأيقن به فقال : كذلك أنت يا الهي فكلامك أسمع ام رسولك ، قال : بل انا الذي أكلمك ، فادن مني فجمع موسى يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائما فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت الا ان روح الحياة تجري فيه ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى : ما تلك بيمينك ...