لا فحسب رجالات الوحي يعرفون نداء الوحي ، بل الإلهامات الإلهية ـ كذلك ـ معروفة لدى أهليها قضية تقوى الله ، والتوسم الحاصل منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٨ : ٢٩) وكلما كانت التقوى أقوى فالفرقان على ضوئها أقوى ، حتى إذا كانت عاصمة معصومة ، ففرقانها ايضا عاصم معصوم ، لا يخالجه شك ولا ريبة.
وقد يروى انه «لما نودي يا موسى قال (عليه السلام) من المتكلم؟ فقال : انا ربك ـ فوسوس اليه إبليس اللعين لعلك تسمع كلام شيطان! فقال (عليه السلام) : انا عرفت انه كلام الله تعالى باني أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء!».
ومهما يكن من شيء فلا ريب انه عرف كونه كلام الرب وحيا ومن سائر الجهات ، إذ كان الكلام دون جهة من النور خارق العادات ، سمعه بكل كيانه سمع الأذن والقلب ، وسمع الفؤاد المتفئّد بنور المعرفة القمة ، فأصبح هو بكله سمعا وسماعا.
وقد تنادي «نودي» مجهولا ، دون «ناديته» أن لم تكن نور الشجرة مجلى لذات الرب سبحانه ، وانما خلق فيها صوت النداء دون جهة خاصة.
وعلى أية حال كان ذلك وحيا دون وسيط ملك الوحي ، مهما كان بوسيط كلام من لسان النور الساطع من الشجرة ، حجابان اثنان ، حيث الوحي درجات عدة كما يقول الله تعالى :
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) (٤٢ : ٥١).
فقرن «وحيا» ب (مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) قرينة انه يعني وحيا بلا أي حجاب ، اللهم إلّا حجاب الذات القدسية الألوهية ، وقد حصل