بكرته حتى لا يسمع كبشر مثل سائر البشر :
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) ٢٥.
به جنة لأنه يخالف آراءنا وآباءنا الأقدمين في أصالة الشرك ، وانه يدعي ضرورة المستحيل في بعدين : ان ينزل الله شيئا ، وان يرسل بشرا رسولا (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) نظرة علاجه عجالة ام أجالة «حتى حين» يعافى عن جنته ، فسوف ترون انه لا يقول قوله الآن ، ام «حتى حين» يموت على جنته فنستريح من دعايته الجنونية ، ام «حتى حين» يظهر تصلبه في دعوته فتقضوا عليه في ذلك الحين ، ام «حتى حين» تظهر جنّته ويظهر حقنا عليه ، حينات اربع قد تعنيها كلها «حتى حين» إذ لا برهان لواحدة منها دون أخرى حتى حين.
وهذه الدعاية النحسة هي بطبيعة الحال مؤثرة في المستضعفين العائشين تحت نير الذل ، المحتاجين إلى رحمة المستكبرين ، حيث العقل هو خير ما يرام ، فمن به جنّة لا يرجى منه أي خير حتى إذا كان ممكنا وهو منه متمكن فضلا عن الدعاوي الشاردة المستحيلة غير الواردة في (آبائِنَا الْأَوَّلِينَ).
إذا فاتّباعه خروج عن العقلية الانسانية ، وسنة الآباء القدامى! تحذير خطير يتحذر منه كل مسامح عن عقله ، متاجر بانسانيته الحرة البالغة.
هنا ـ ولما لا يجد نوح منفذا إلى هذه القلوب المتحجرة ـ يستنصر ربّه لكي يهديه سواء السبيل :
(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) ٢٦.
وهذه آخر المطاف من تصبّره على أذاهم ، وتحمّله لظاهم طول الف سنة الا خمسين عاما ، وقد تكون اجمالا عن تفاصيل دعواته لربه طول هذه المدة كما في آيات عدة :