(١١ : ٤٠) فالقلة الثمانون طول هذه المدة بين الملايين ، هم اهله الا من سبق ومن آمن من غير اهله ، إذا (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) هم ليسوا كل قومه ، بل هم ـ فقط ـ (الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
وذلك آخر المطاف لقوم صلد صلب هم حجر عثرة في حياة الإنسان وعقبة كئودة كائدة في طريق الايمان ، ولأنهم كانوا في فجر البشرية في بدايات الطريق ، فشاءت ارادة الله الإطاحة بهم من الطريق المرسوم للانسانية جمعاء ، تحطما لهذه المتحجرات المتفجرات في وجهها ، فتحتّما من سلوك سبيلها إلى النجاة ، ولتسري ركب الانسانية قدما إلى الحياة المرماة.
فقد غسل الطوفان هذه التربة لتعاد بذرة الحياة السليمة من جديد : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ).
ذلك! وقد كان بالإمكان ان ينزل الله عليه فلكا من السماء ، او يصنعه هو دونه ، ولكنه شاء ان يصنع نوح فلك النجاة بيده ، لأنه لا بد للإنسان من الأخذ بالأسباب ، وبذل ما في طوقه ، ثم يمده الله في الخارج عن طوقه ، والنجاة القاطعة بالفلك كانت بان يصنعها (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) وكما هي (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ)!
(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٢٨ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ٢٩.
(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ) يا نوح (وَمَنْ مَعَكَ) المؤمنين والحيوان ، والاستواء هو الاستقرار : ان يأخذ كلّ مستقرّه وقراره كقرار البيت (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) كواجب الحمد لله (الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) من بأسهم البائس ومن الغرق معهم ، وهذه مرحلة اولى من النجاة حالة الطوفان ، ثم (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) نفس النزول ومكانه وزمانه ، مباركا في زواياها الثلاث (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ـ «اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت