اي كذب وإدغال ، ثم لما جاءهم بما ينجيهم من غمرة الجهالة أنكروه.
ذلك وكما عرفه اهل الكتاب بما بشر به بمواصفاته في كتاباتهم ، ولمّا جاءهم كذبوه وجنّنوه : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٢ : ١٤٦) و ٦ : ٢٠).
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ٧٠.
وهذه طنطنة وغوغائية دعائية هي آخر المطاف لهم في تزييف موقف الرسالة ، ان «به جنة» إذ يقول ما لا نقول به ، ويعد ما لا نعرفه ، فبيننا وبينه حجاب المعرفة ، «بل» كل ذلك دعوى بلا حقيقة ولا برهان (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ) بكلّ آياته وبيناته (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) وأقلهم لا يعرفونه قصورا أو تقصيرا فهم له منكرون ، قصورا كالمستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، فهم بله لا يميزون ، وتقصيرا كمن لا يفتشون عن الحق ، بغية أريحية الحياة ، أم عرفوه ولكنهم تركوه دون كراهية له نفسه ، وانما كراهية التوبيخ من قومهم وان يقولوا ترك دين آباءه.
هؤلاء هم منجرفون مع الهوى ، منحرفون إلى كل ردى ، يهوون ان يتّبع الحق أهوائهم ، كأنهم آلهة بأهوائهم الطائشة وعلى الحق ان يتبعهم حيث جعلوا آلهتهم أهواءهم فألهتهم عما يعنيهم :
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) ٧١.
«لو» تحيل ذلك الاتباع المفروض المرفوض في كل الحقول عند ارباب العقول ، فلو كان الحق ـ المطلق ، المعصوم عن كل زلل وخطل ـ موافقا لاهوائهم القاحلة الجاهلة ، لعاد كلّ إلى ضلاله وأوقع كلّ في بطله