وكلاله ، حيث الحق يدعو إلى المحاسن والمصالح ، والأهواء تدعو إلى المساوئ والمقابح ، فلو اتبع الحق قائد الهوى لشمل الفساد وعم الاختلاط وخفضت أعلام الهدى ، ورفعت أعلام الردى.
ولا تعني «أهوائهم» فقط الشريرة منها التائهة ، بل والخيرة ايضا والعاقلة ، حيث المتّبع الصالح لادارة شؤون التكوين والتشريع هو الحق المطلق ، لا الحق الخاطئ كالعقول غير المعصومة ، فضلا عن الباطل المطلق ، ف «الحق» هنا هو الله ، والأهواء هي من غير الله عقولا ام أهواء سواها ، ف (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).
اجل وفي اتباع الحق لسواه ـ ايّا كان ـ اختلال كافة الموازين والمقاييس في السماوات والأرض ومن فيهن ، وكما في تعدد الآلهة المدّبرة والمشرّعة.
فالحق المطلق واحد ثابت لا يتقلب في تغلّبه ، والأهواء عاقلة وسواها كثيرة متقلبة ، وبالحق الواحد يدبّر الكون كله تكوينا وتشريعا فلا ينحرف ناموسه لهوى تعترض ، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) الذي يذكّرهم عن قصورهم وتقصيرهم ، عن غفلتهم وغفوتهم ، ويذكرهم لما يتوجب عليهم في صالح حياتهم «فهم» أولاء الحماقى (عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)!
فالقرآن ذكر جملة وتفصيلا ، ذكر للفطر والعقول والقلوب ، ذكر عما نسيه أصحابها ام تناسوه ، وذكر لما ستر عنهم من فصائل المعارف وفضائلها وهم يطلبون ان يتّبع الذكر الحق وحقّ الذكر أهوائهم الخاملة غير الكاملة ، فحتى لو اتفقت أهوائهم العاقلة على شيء لم تكن لتأتي بالحق المطلق ، فضلا عن أهوائهم الجاهلة ، ام المختلقة في هذه او تلك كما هي الواقع فيها على أية حال ، فالفساد ـ إذا ـ آت من بعدين اثنين : قصور الأهواء ، وتضادها ، فليكن الحاكم المطلق هو الحق المطلق لا سواه.