السؤال الكثير ، واجابة عن بلواها في مكانها نقتطف حكما ناصعة عن الخطبة القاصعة عن الإمام علي امير المؤمنين (عليه السلام): ـ
«وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون ان الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، واقل نتائق (١) الدنيا مدرا ، وأضيق بطون الاودية قطرا ، بين جبال خشنة ورمال دمثة (٢) وعيون وشلة (٣) وقرى منقطعة ، لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف ، ثم امر سبحانه آدم وولده ان يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع (٤) أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوي اليه ثمار الافئدة من مفاوز قفار سحيقة ، ومهاوي فجاج عميقة ، وجزائر بحار منقطعة ، حتى يهزوا مناكبهم ذللا لله حوله ، ويرملون (٥) على اقدامهم شعثا غبرا ، قد نبذوا السراويل وراء ظهورهم ، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم ، ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا ، جعله الله تعالى سببا لرحمته ، ووصله إلى جنته ـ
ولو أراد الله سبحانه ان يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وانهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف البنى ، متصل القرى ، بين برة سمراء وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص
__________________
(١) جمع نتيقة وهي البقاع المرتفعة
(٢) هي اللينة التي يصعب عليها السير.
(٣) قليلة الماء.
(٤) محل الفائدة.
(٥) الرمل ضرب من السير فوق المشي ودون الجري وهو الهرولة.