معذقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف لبلاء ـ
ولو كان الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها ، بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفي معتلج (١) الريب من الناس ، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه» (٢).
ف (مَنافِعَ لَهُمْ) هي كل المنافع الروحية والزمنية في كافة الحيويات الاسلامية السامية ، فالحج مؤتسم ومؤتمر ، موسم عبادة شعائرية جاهرة ، ومؤتمر عبادة سياسية ، فريضة تلتقي فيها الدنيا والآخرة ، مسرح تشاور وتعاون بين الكتل المؤمنة في كافة المسائل العويصة الإسلامية.
مجالة عالية غالية لتذوب فيها الفوارق من مختلف الجنسيات والعنصريات والقوميات والطائفيات ولا تبقى في صعيدها إلا اخوة اسلامية خالصة تتبناها كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ، بوحدة الأرواح وتقارب الأشباح حيث يصبحون الأشباه حول كلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).
عبادة تصفو فيها الأرواح مشروحة لكافة الذكريات الصالحة في ذلك المشهد الحافل ، حيث ترف كالأطياف حول البيت العتيق طائفين حول مركز واحد ، يحوّلهم عن مختلف التطوافات حول سائر المطافات.
__________________
(١) الاعتلاج هو الالتطام.
(٢) نهج البلاغة للسيد الشريف الرضي ٢ : ١٧٠ ـ ١٧٣ محمد عبده.