موسى الرسول (عليه السلام) يولد في تلك الضغطة الفرعونية الوحشية ، وأمه حائرة ، تخشى أن يصل نبأ هذه الولادة المباركة إلى الجلادين فيذبحوه ، وهي عاجزة عن حمايته وإخفاءه فإذا الوحي الحنون يتلقف قلبها الرنون :
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ٧.
(أَوْحَيْنا) هنا تعني وحي الإلهام دون وحي النبوءة والرسالة ، وادنى منه الوحي إلى النحل وللأرض ، وأعلى منه ومن كل وحي إلّا الأخير وحي الإلهام إلى قلوب الأئمة المعصومين المحمديين صلوات الله عليهم أجمعين.
(أَنْ أَرْضِعِيهِ) ليس عليك فيه أمر إلّا الرضاعة : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى. أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي. إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ..) (٢٠ : ٤٠).
(أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما لم يهجس هاجس أو يحدث حادث (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ..) وهو النيل فإنه في عظمه كأنه البحر ، واليم يشمل البحر والنهر الكبير كالنيل ، أتراها ما كانت خائفة عليه ، وهي خائفة منذ حبلت حتى وضعت؟
الخوف له مراحل ، فقد يتحمل إذ لا يعدو الخيال ولمّا تقع واقعة ، وذلك خوفها من قبل ، أم لا يتحمل حين تشرف الواقعة لتقع فلا بد من محاولة قاطعة للفرار عنها ، وقد تعنيه (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) خوفا شديدا لا قبل لها به بعد المتعوّد في ذلك الجوّ المخيف.
أمّ حنونة ترضع ولدها خائفة عليه ، فكيف تسمح لنفسها أن تلقيها في