الثلاثة : المبدأ والمعاد وما بين المبدأ والمعاد ، طالما التركيز الأكثر فيها على المعاد ، تبحيلا بمن يعتقدونها فثوابا ، وتخجيلا بمن ينكرونها فتبابا ، يأخذهم يوم الدنيا قبل الآخرة : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ...).
يبدأ فيها بالمبدء (الْحَمْدُ لِلَّهِ ..) ويختم بالمعاد : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) وفيما بينهما عرض لما بينهما من الوحي والنبوة وصنويهما ومصدقيها وناكريها وبمسائرهم ومصائرهم والله من وراء القصد.
وانها رابعة السور المفتحة بالحمد له ، إذ تسبقها الأنعام والكهف والفاتحة وتلحقها الملائكة! طالما هي في الفاتحة معلّلة بخمس : «الله ـ رب العالمين ـ الرحمن ـ الرحيم ـ مالك يوم الدين» ثم هي في الانعام معللة ـ فقط ـ بالرحمة الرحمانية : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وفي الكهف بالرحيمية (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) وكما في الملائكة رحمانية ورحيمية (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً)! وهي هنا تجمع بين رحمة الدنيا والآخرة :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(١).
«الحمد» كله ومن كل حامد «لله» لا سواه فانه «الذي له» : ملكا وملكا (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهي صيغة أخرى عن الكون كله ، وطالما يحمد هنا غير الله مع الله شركا ، ام يلحد في حمده ف ـ (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) لا سواه ، فلا حامد هناك إلّا له ، ف ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هنا استحقاقا مهما تخلف عن الواقع (وَلَهُ الْحَمْدُ) هناك واقعا دون تخلف حتى ممن كانوا يجحدونه في الدنيا او يشركون به سواه فيتمحض له الحمد في أخراه :