الاربعة الآخرون من اولى العزم الذين دارت عليهم الرحى ، وقد تشهد لمثلث الفضل هذا : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ .. وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ...) (٢١ : ٨٠).
فقد بلغ فضل الله لداود مبلغا من التجرد والشفافية في تسابيحه أن انزاحت الحجب بينه وبين الجبال والطير وحدة الحديد ، فداود الأواب تجاوبه في أوبته الجبال والطير ، ويلان له الحديد ، وهكذا الله يعبّد الطريق للأوابين!
هنا «معه» في (أَوِّبِي مَعَهُ) لمحة لامعة انها تؤوب في عالمها ولا تسمع أحدا من العالمين ، ثم «معه» تجعله يسمع أوبة الجبال والطير.
والاوبة ضرب من الرجوع. وهنا المقصود صوت الأوبة وصيغتها ، إضافة الى حقيقتها ، فواقع الأوبة لا محالة حاصل للكائنات كلها : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١٧ : ٤٤) ولكن داود المفضّل على من سواه فقّه تسبيحهم مع تسبيحه وعلى ضوئه كما تشير «معه» وكما في آخر له (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ .. وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (٣٨ : ١٩) فها هي معية المصاحبة المتابعة ، وقد تعم علمه بتسبيحهم واصالته فيه حيث كان يؤمّ في محراب الأوبة ومصرحها جماعة الطيور والجبال في ترنيمة المرجّع الرائع كما يؤم سائر المؤمنين في زمنه!
الآئب هو الراجع وقد ينكث ، ولكنما الأوّاب من التأويب الترجيع كثرة في عدّة الرجوع وعدّته ، حيث يعيش الاوبة الرجعة الى الله دون نكثة ولا نكسة.
ومن التأويب الترجيع ترجيع الصوت في التأويب وفيه تليين القلب وترجيعه ، فان للصوت الرائع الجميل موقعا فائقا في القارئ والمستمع ،