أترى كان له في ذلك الموقف الحرج ان يسكت عن كلمة محببة أولاها : «اشهدوا أن زيدا ابني»؟ وما عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يخيّل الى سائر المؤمنين ـ المتعودين في الجاهلية على ذلك التبني العارم ـ انه أصبح ابنه ، فحرام عليه ـ إذا ـ حليلته!
فلم يكن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «اشهدوا ان زيدا ابني» قولا بفيه ، وإنما عمق قلبه الجيب ، ولم يرتب عليه شئون البنوة ، اللهم إلا ميراثا كان بين المؤمنين والمهاجرين بما فرض الله ، ثم نسخه بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) ولم يحّرم هو على نفسه حليلته ولا رتب عليه سائر احكام البنوّة ، فلم يشمله التنديد الإبطال :
(.. ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(٤).
ذلكم الجعل الجاهل والحكم القاحل من مظاهرة وتبنّ «قولكم» لا قول الله «بأفواهكم» دون رباط بعقولكم وقلوبكم ولا وحي ، إذا فهو قول باطل (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ) لا سواه (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) لا سواه!
فالقول بالأفواه هو المنقطع الرباط عن دواخل القائل وخوارجه ، فلا هو ينبع من نبعة فطرية او عقلية داخلية ، ولا وحي خارجي ، فلا أثر له داخليا في حب أو بغض ولا خارجيا من آثار الامومة والبنوة والابوة لا تكوينيا ولا تشريعيا ، فهو قول باطل في بعدية (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) الى الحق.
هذا رغم ما هنالك من آثار تهواه الأنفس في طقوس جاهلية لا تعدو حدود الخيال فتستأصلها آيات الله البينات (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ومن الحق السبيل والسبيل الحق :