(وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ..) وهو اللوح المحفوظ ، دون كتاب المحو والإثبات ، حيث الآية تنحو منحى العلم الثابت ، ان يعمر معمر عمره حتى الأجل المحتوم ، او ينقص من عمره لأجل معلق ، و «عمره» هو المحتوم لا يزيد عليه وقد ينقص.
«ان ذلك» البعيد البعيد ، العسير العسير هو (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وأنتم تعيشونه طول الحياة وعرضها ، فباحرى «ان ذلك» الرجع في الاخرى (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) بل هو أهون عليه.
(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١٢).
كما البحران مختلفان في الصورة ، متفقان في سيرة الرحمة النافعة المترعرعة اليافعة ، فهما معنيان لوحدة الفائدة ، كذلك الموت والحياة ، ففي كلّ عائدة ، مهما كانت بعد الموت زائدة خلاف ما يزعم من صورته.
فالبحر العذب : المستطاب ، الفرات : الذي يروّي العطشى بساهل انحداره في الحلوق ، وبارد طبعه وعذوبته ، والبحر الملح : غير المستطاب للشراب ، الأجاج الحارق الحلوق لملوحته المرة ، هما على حالتهما المتضادة ـ مع بعض ـ من نعم الله حيث يلتقيان بتسخير المنان في خدمة الإنسان : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٦ : ١٤).
والبحران قد يعنيان ـ ضمن ما يعنيان ـ مثل المؤمن والكافر ، حيث العناية في بقاء الكافر رغم كفره قد تكون لما يخرج منه المؤمن (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) و (كَذلِكَ النُّشُورُ) إذ يخرج الله الاحياء من الأموات كما اخرج الأموات من الاحياء!