ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٢٦)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١٥)
تعريف الخبر «الفقراء» هنا يعني كونه معروفا فلا يخبر به إلّا للتنبيه ، ومن ثم القصر كأنهم هم الفقراء لا سواهم كما (اللهُ هُوَ الْغَنِيُّ) يحصر الغنى في الله. بيان ناصح ناصع لكيان الناس وهم في احسن تقويم ـ إذا ـ فما هو كيان من دونه في سائر التقويم؟ فهو حجة قارعة لفقر الكون كله ، وليس إلا الى الله الغني الحميد ، تقريرا لكلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) نفيا لاي غنى عن سائر الكون ، ثم اثباتا لكل غني لخالق الكون!
وترى لماذا الحصر (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ) كأن سواكم من الخلق أغنياء ، ام ليسوا بفقراء الى الله؟ علّه لما كان المشركون يزعمونهم أغنياء في أنفسهم بآلهتهم ، والله هو الفقير إليهم إذ يدعوهم إلى عبادته : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ...) (٣ : ١٨١) (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (٥ : ٦٤).!
لذلك يرد عليهم بمعاكسة (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) لا (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)! فأنتم محصورون في الفقر لا ان الفقر محصور فيكم.
ثم ذلك الفقر الفاقر ضارب الى الأعماق لحد كأن ليس كيان الإنسان إلّا فقرا : (الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) لا ان هناك انسان ام أيا كان له الفقر الى الله ، بل هو بذاته الفقر الى الله بذاته الغني ، دون امكانية التحول من