آمنوا وهم قلة ، بعد ما ذم سواهم وهم كثرة : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ.) (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو قال شعرا إنشادا أو نقلا ، قرآنا وغير قرآن ، لدخل في أقواله تهمة الشعر التخيّل ، ولم يكن الشعر ليجمّله أكثر مما هو فصاحة وبلاغة ، ولكنما الشعر يزيد المعنى جلاء في تخيّل ، وهو نفاق وشرعة الله منه براء.
والقول : إن الشعر ـ هنا ـ يعني التخيلات المزخرفة موزونة وغير موزونة ، فالحقائق الناصعة في أوزان ليست شعرا ، والتخيلات في غير أوزان شعر ، وإذا كانت في أوزان فهي شعر على شعر.
ذلك هنا مردود ، بأن المفهوم من الشعر ما له وزن في تخيل وسواه ، وهو لجمال وزنه مظنة التهمة ، والاستثناء في آية الشعراء ب (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ...) عن (الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ...) وإضافة إلى مثلث التعريف بالشعراء دليل واضح لا مرد له أنه ليس مجرد التخيلات.
فليس ينبغي للرسول علم ما يريب الناس في رسالته (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وليس الشعر ذكرا إلا نفاقا وزورا وغرورا ، ولا مبينا لهدى إذ ليس صراطه مستقيما ، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) : إن الرسول إلّا ذكر ... وإن علمه إلّا ذكر ، حيث «هو» يحتملها ، والأحرى أدبيا هو الرسول.
أترى الرسول «قرآن مبين» إلى كونه ذكرا؟ أجل إنه ذكر بكله ، وقرآن مبين بكله ، وقد كان خلقه القرآن (١) قلبه القرآن وقالبه القرآن ، ظاهره قرآن
__________________
(١) يسأل ابن عباس ما كان خلق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال : كان خلقه القرآن.