إذا ف «إن» الرسول وعلمه (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) حاملا مثلثا من التبيين : ذكر ـ قرآن! ـ مبين :
(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٧٠).
مقابلة (مَنْ كانَ حَيًّا) ب «الكافرين» توحي بحياة الإيمان ، أترى أنه واقع الإيمان وهو واقع بعد كمال الإنذار والتبشير؟
قد تعني قبول الإيمان بأية مرتبة كان فهو من كان عاقلا (١) يستعمل عقله في صالحه ، : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٨١ : ٢٨).
فالذي لا يعقل رغم عقله فلا يشاء أن يستقيم فهو ميت من الكافرين ، لا يؤثر فيه الإنذار ، فقد تعني ما تعنيه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) و (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ).
ف (مَنْ كانَ حَيًّا) يشمل من كان كافرا يتبع الذكر ويتقي إذا وقي ، إذ كان كفره عن قصور او تقصير جانبي وقد بقي فيه نور النجاة : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦ : ١٢٢) ف (مَنْ كانَ مَيْتاً) هنا تعني مطلق الموت الذي يشي إلى حياة ، وفي الأنعام الموت المطلق الذي لا يشي إلى الحياة : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٣٠ : ٥٣).
__________________
(١) المجمع روي ذلك عن علي (عليه السلام).