إيمانه بالقرآن ، الغافل الذي لا يستيقظ إذا أوقظ ولا يتعظ إذا وعظ فهو ميت مطلق لا ترجى حياته.
إذا فسابق الحياة السابغة شرط أصيل لتقبل الإنذار بالقرآن ، ومهما كان القرآن حجة بالغة على كافة العقلاء ولكنه ليس ليؤثر إلّا فيمن له قابلية القبول ، وهو من له بقية من حياة العقل والتحري عن الحق ، دون من ليس ليستعمل عقله : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) (٧ : ١٧٩). فهؤلاء الذين هم في الكفر المطلق ، مسدودين عن مطلق النور ، فلا مدخل لنور الهدى إلى قلوبهم ، هم في موت مطلق لا حياة عنه.
والمكلفون أمام إنذار القرآن أضلاع ثلاثة ، فضلع متضلع بالإيمان ، فهو يكمل إنذاره ، وهو من أحي الأحياء ، وضلع ضليع عن الإيمان ميت عن كيانه كإنسان ، فهو الميت المطلق الذي ليس له نصيب من الحياة : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ... وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٣٥ : ٢٢) ف (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وضلع عوان هو في مطلق الكفر غير المستقصي كيانه ولا المستعصي عن إيمانه ، فهو ضال قاصر يتحرى عن الهدى ، أم ـ لأقل تقدير ـ لا يفر عنها مبتغيا سبيل الردى ، فهو ميت حي ، فإن مآله إلى الحياة المطلق وهو الآن في مطلق الحياة ،
فيشمله (مَنْ كانَ حَيًّا) كما يشمل المتضلع في الإيمان ، فإنذار القرآن يعم كل من فيه تجاوب قليلا أو كثيرا ، بحياة عقلية قليلة أو كثيرة! فحياة
__________________
ـ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله الى النور وذلك قوله عز وجل (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ).