ألم يروا من آيات إمكانية المعاد وضرورته الآفاقية ، فإن كانت منفصلة من ذوات أنفسهم (أَوَلَمْ يَرَ ...) آية أنفسية حسية يراها كل راء (أَنَّا خَلَقْناهُ) الإنسان «من نطفة» لم تكن شيئا مذكورا «فإذا» بعد ما يكبر ويعقل (هُوَ خَصِيمٌ) : كثير المخاصمة في حق المعاد وهو أهون من خلقه أوّل مرة ، وهو «مبين» في خصومة متعنت :
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(٧٨).
ينسى خلقه أوّل مرة من نطفة ، ثم يستنكر حائرا مائرا خلقه ثاني مرة من ترابه وهو أهون عليه ، يضرب على ذلك مثلا ملموسا من عظم نخر يفركه (١) ثم يقول قولته : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)؟ وأحسن بجوابه الحاضر حيث يصدقه كل مصدق بالخالق : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) مهما اختلف خلقه في المرتين ، وهو في الثانية أهون (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) كالأوّل أو أصعب «عليم» فضلا عن الأهون!
وإنها براهين قاطعة قاصعة لا فواق لها لأي خصيم حول المعاد ، فلئن كان
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٣٩٥ ـ ٨٨ في الاحتجاج روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليه السلام) ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) فان ابراهيم (عليه السلام) قد بهت الذي كفر ببرهان على نبوته؟ قال له علي (عليه السلام) : لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه ثم قال يا محمد (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فأنطق الله محمدا بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته فقال : (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) فانصرف مبهوتا ، وفي الدر المنثور ٥ : ٢٦٩ عن ابن عباس ان ضارب هذا المثل العاص بن وائل ، وعنه ايضا انه عبد الله بن أبي ، وثالث عنه انه أبي بن خلف ، ورابع عنه انه ابو جهل.