كما هما واصلان إلى الأرواح ، فإن أعمال الأرواح بين ما هي تعملها دون وسيط الأعضاء ، وما هي عاملة بوسيط الأعضاء ، فالجزاء العدل الوفاق وصول كلّ من صالح وصالح إلى الروح بوسيط وغير وسيط ، وتكفي الأجزاء الأصيلة التي يعيشها الإنسان منذ هو جنين إلى الموت ، تكفي هذه ـ فقط ـ لتكون وسيطة لوصول الجزاء إلى الروح!
والجواب أن (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ) استعجاب واستعظام لأصل إحياء العظام ، دون نظرة واتجاه إلى كمية منها أم وكيفية لها ، ولم يكن السائل المتعنت من الفلاسفة حتى يفهم فيعي أو يعني كمية في ذلك الإحياء في حين أنه ناكر أصل الإحياء ، ثم «يحييها» إجابة عن الشبهة في أصل الإحياء ، سواء أكان إحياء لكل العظام أم بعضها ، فلا تطارد الأدلة العقلية والنقلية الدالة على اختصاص الإحياء ببعض الأجزاء.
وعلّ منها (الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) والاوّلية الحقيقية لإنشاء العظام هي لانشاء النطفة الجرثومية ، فإنها صورة مصغرة عن الجنين ، كما هو مصغرة عن الوليد الجديد وإلى أعظم عظمها طوال عمره.
فالإنشاء الأول في ملاحظة دقيقة يخص النطفة الجرثومية ، وفي لحاظ أوسع وأعرف هو بداية نشوء العظام حين انشأت من المضغة : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) (٢٣ : ١٤) ومضغة كل إنسان قياسا إلى مجموعة أجزائه الأصيلة والدخيلة منذ عظامه إلى موته ، علّها واحدة بالملايين من أجزائه التي يعيشها طول. حياته و (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٧ : ٢٩) قد تعني النطفة الجرثومية ، أم تعني عظام المضغة بلحومها الكاسية لها ، فالمعادة من أجزاء الإنسان على أية حال ليست إلّا الأجزاء التي يعيشها الإنسان دون تبدل وانفلات ، مهما انضمت بعد الموت إلى أناسي آخرين ، فإنها تصبح من أجزائهم الدخيلة دون الأصيلة ، فلكلّ ـ إذا ـ أجزاء أصيلة تخصه ، ويعاد فيها ليجزي بها