أنفسهم ، و (بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) تشمل الجهات كلها حيث «فأغشيناهم» هي غشية تشملهم دون إبقاء ، لم تبق لهم منفذا من منافذ الإدراك للآفاق سمعا ولا بصرا ولا حسا ، عقلا ولا قلبا ولا فطرة ولا أية نافذة قلبا أو قالبا (١)(فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).
ذلك الإقماح وهذا السد ليس على ظاهر أبدانهم ، بل على باطن قلوبهم (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ...) توصيفا لما كان عليه هؤلاء عند سماع القرآن من تنكيس أذقانهم ، وليّ أعناقهم ، ذهابا عن الرشد ، واستكبارا عن الانقياد للحق ، وضيق صدور بما يرد عليهم من مواقع البيان وقوارع القرآن.
وعلّ (بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) تعني ـ فيما عنت ـ مستقبل الحياة وهي الأخرى ، (وَما خَلْفَهُمْ) تعني الحياة الأولى ، فهم مغشيّون عن النظر إلى الحياتين وصالحهما لأنفسهم : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤).
قد يحرم الإنسان إبصاره إلى آيات آفاقية ، ويمنح آيات أنفسية ، باطنة
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٣٧٦ ج ١٩ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ...) الهدى أخذ الله سمعهم وابصارهم وقلوبهم واعمالهم عن الهدى ، نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من اهل بيته وذلك ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام يصلي وقد حلف ابو جهل لعنه الله لئن رآه يصلي ليدمغه فجاءه ومعه حجر والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يصلي فجعل كلما رفع الحجر ليرميه اثبت الله عز وجل يده الى عنقه ولا يدور الحجر بيده فلما رجع الى أصحابه سقط الحجر من يده ثم قام رجل آخر وهو رهطه أيضا فقال : انا اقتله فلما دنا منه فجعل يسمع قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فارعب فرجع الى أصحابه فقال : حال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه فخفت ان أتقدم.