والرّوغ هو الميل على سبيل الاحتيال والتخفي : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (٥١ : ٢٦) وقد كان لإبراهيم في بيت الأصنام روغان ، روغ «إلى» ذهابا إليها متخفيا ، علّ هناك عيونا تنظر (فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) من طعام قدمه هو أم كان حاضرا كما كانت سنتهم في تقديم الأطعمة لآلهتهم ، ولا بدّ لآلهة مجسمة وهي تماثيل ذوي الأرواح ـ لأقل تقدير حياة للأكل ، إبقاء لها وبعدا عن موتها ، فلما لم تحر جوابا قال (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ)؟ ءالهة أموات خرس لا يأكلون ولا ينطقون؟ فكيف هي إذا آلهة وهي أدنى كمالا من المألوهين؟ وهو حجاج على الآلهة بعد الحجاج على المألوهين ، وله فيهما الحجة البالغة ولا يملك إلّا قضاء واقعا على الآلهة لكي يظل المألوهون دون آلهة علّهم ينتبهون.
ومن ثم روغ «على» ذهابا للقضاء عليها روغا ثانيا عليها (ضَرْباً بِالْيَمِينِ)!
يرى جوا خاليا عن رصد العيون ، فيدلف إلى أصنامهم فيجد باحة قد اكتظّت بالتماثيل وانتشرت في أرجائها الأصنام ، فيخاطبها محتقرا لشأنها ، شائنا لعبدتها (أَلا تَأْكُلُونَ. ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) وأنىّ للجماد أن يأكل أو ينطق ، فأخذ يلطمها بيده ، ويركلها برجله ، وتناول فأسا وهوى عليها يكسرها جذر مذر ويحطمها (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (٢١ : ٨٥) فيسألوه عمن انتهك حرمة الآلهة ليرجعوا إلى أنفسهم ما هؤلاء يأكلون ولا ينطقون فكيف يعبدون؟!
ولقد كان حقا (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) بيمين القدرة ويمين الصدق ويمين الدين وباليمين الذي سلف منه : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ويا لها من معركة صاخبة صارخة أعماق أسماع التاريخ ، مقتل الآلهة التي كانوا يعبدون ، وقد شفى من نفسه سقما كان يشكوه :
(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ)(٩٤).