على استكبارهم وإصرارهم لإبطال حجة القرآن لم يؤمنوا ولو على ظاهر الحال تكذيبا لملحمة قرآنية ، وكانوا أشخاصا خصوصا عرفوا بين الجموع بالكفر الصامد والجحود العامد.
(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)(١١).
إن تأثير الإنذار منحسر عنهم ، منحصر في (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) : من إذا ذكّروا تذكروا دون عناد ، وهم المتقون الذين إذا وقوا عن الشر اتقوه ، فهم الأحياء بروح الذكر والتقوى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٧٠) ، وقد يلمح المضيّ في «اتبع ... وخشي» لسابق هذه الحالة السابغة فيهم قبل الذكر فهم مهما كانوا قبل الذكر من الغافلين ، ولا سيما إذ (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) من قبل ولا أنذروا ، هم أنفسهم ، ولكن الغفلة حيث كانت قاصرة دون تقصير ، فكانوا يفتشون عن ذكر حتى يتذكروا ، أم ـ ولأقل تقدير ـ كانوا لا يعاندون الحق على غفلتهم ، فهما ـ إذا ـ ممن (اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) منذ الغابر وحتى الوقت الحاضر ، عائشين إتباع الذكر ، فهم ـ دوما ـ عنه يتتبعون!
وهذا شك مقدس وغفلة غير مقصرة ، لا ينقصه إلّا عدم بلوغ الحجة البالغة ، وهؤلاء هم الذين يؤثر فيهم الإنذار.
ف (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) يعرف الرحمن كأصل أوّل في حقل الذكر ، فيخشى الرحمن بالغيب ، يخشاه وهو تعالى «بالغيب» ثم ويخشاه «بالغيب» عمن سواه دون رئاء ، ويخشاه بغيب ضميره وسريرة قلبه ، فتظهر الخشية في أفعاله ـ إذا ـ فهو في شهوده أخشى.
وكما اتباع الذكر درجات ، كذلك خشية الرحمن بالغيب درجات : بغيبه تعالى ، ثم بالغيب عن خلقه ، ثم بغيب ضميره ، كما ولكلّ من