أتراه عطاء فوضى في منّ أو إمساك بغير حساب؟ كلّا حيث المعطى له حساب دون فوضى :
(وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٤٠).
فزلفاه عند ربه تمنعه عن فوضى العطاء والإمساك ، وحسن مآبه يدفعه ليكون العطاء والإمساك آئبين إلى الله ، فما سليمان ـ إذا ـ إلا أداة لمرضاة الله في ذلك العطاء بغير حساب.
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ)(٤٢).
أترى أن الله يسلط الشيطان على عبده ورسوله أيوب أن يمسه بنصب وعذاب ، و (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) وهو (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)؟.
هنالك سلطة ممنوعة للشيطان على المخلصين هي على عقولهم وأرواحهم وأعمالهم ، لكيلا تبطل حجج الله على عباده ، وهنا سلطة ممنوحة على أبدانهم وأموالهم هي من الابتلاءات الربانية الشاملة لعباد الله الأمثل منهم فالأمثل.
والسلطة الشيطانية على أيوب في ردح من زمن المحنة لم تكن إلّا على الناحية المادية ، وقد بلورت فيها السماحة الروحية (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
فيا لهذا العذاب الجسداني من عذوبة روحية حين يصبر العبد عليه دونما شكوى ولا نكوى ، وكما نراه في سائر الصالحين طول الزمن الرسالي من مختلف النصب التي تنصب لهم ، والعذاب الذي يقصدهم في سبيل الدعوة ، أم في طريق التكملة الرسالية لتكمل الدعوة ، وهذه الثانية تمثلت لأيوب (بِنُصْبٍ وَعَذابٍ).